فصل: تفسير الآيات (42- 46):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (42- 46):

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قسمهم هذا التقسيم المفهم أن هذا شيء لابد منه، استأنف ذكر استهزائهم تعجيباً منهم فقال: {يسئلونك} أي قريش على سبيل التجديد والاستمرار سؤال استهزاء وإنكار واستبعاد: {عن الساعة} أي البعث الآخر لكثرة ما تتوعدهم بها عن أمرنا.
ولما كان السؤال عنها مبهماً بينه بقوله: {أيان مرساها} أي في أي وقت إرساؤها أي وقوعها أو ثباتها واستقرارها.
ولما كان إيراد هذا هكذا مفهماً للإنكار عليهم في هذا السؤال، وكان من المعلوم أنه يقول: إنهم ليسألونني وربما تحركت نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم إلى إجابتهم لحرصه على إسلامهم شفقة عليهم، فطمه عن ذلك وصرح بالإنكار بقوله: {فيم} أي في أي شيء {أنت من ذكراها} أي ذكرها العظيم لتعرفها وتبين وقتها لهم حرصاً على إسلامهم، وذلك لا يفيد علمها، ثم عرفها بما لا يمكن المزيد عليه مما أفادته الجملة التي قبل من أنه لا يمكن علمها لغيره سبحانه وتعالى فقال: {إلى ربك} أي المحسن إليك وحده {منتهاها} أي منتهى علمها وجميع أمرها.
ولما كان غاية أمرهم أنهم يقولون: إنه متقول من عند نفسه، قلب عليهم الأمر فقال: {إنما أنت} أي يا أشرف المرسلين {منذر} أي مخوف على سبيل الحتم الذي لابد منه مع علمك بما تخوف به العلم الذي لا مرية فيه {من يخشاها} أي فيه أهلية أن يخافها خوفاً عظيماً فيعمل لها لعلمه بإتيانها لا محالة وعلمه بموته لا محالة وعلمه بأن كل ما تحقق وقوعه فهو قريب، وذلك لا يناسب تعيين وقتها فإن من فيه أهلية الخشية لا يزيده إبهامها إلا خشية، وغيره لا يزيده ذلك إلا اجتراء وإجراماً، فما أرسلناك إلا للإنذار بها لا للإعلام بوقتها، فإن النافع الأول دون الثاني، ولست في شيء مما يصفونك به كذباً منهم لأنا ما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ولا أنت مبعوث لتحرير وقت الساعة وعلم عينه، وإنما قصره على من يخشى لأن غيره لا ينتفع بإنذاره، فكان كأنه لم يحصل له الإنذار، ولهذا المعنى أضاف إشارة إلى أنه عريق في إنذار من يخشى، وأما غيره فهو منذر له في الجملة أي يحصل له صورة الإنذار لأنه منذره بمعنى أنه لا يحصل له معنى الإنذار.
ولما أثبت أنه منذر، وكان أخوف الإنذار الإسراع، قال مستأنفاً محقرا لهم الدنيا مزهداً لهم فيها: {كأنهم} أي هؤلاء المنكرين لصحة الإنذار بها {يوم يرونها} أي يعلمون قيامها علماً هو كالرؤية ويرون ما يحدث فيها بعد سماع الصيحة وقيامهم من القبور من علمهم بما مر من زمانهم وما يأتي منه {لم يلبثوا} أي في الدنيا وفي القبور {إلا عشية} أي من الزوال إلى غروب الشمس.
ولما كانوا على غير ثقة من شيء مما يقولونه قال: {أو ضحاها} أي ضحى عشية من العشايا وهو البكرة إلى الزوال، والعشية ما بعد ذلك، أضيف إليها الضحى لأنه من النهار، ولإضافة تحصل بأدنى ملابسة، وهي هنا كونهما من نهار واحد، فالمراد ساعة من نهار أوله أو آخره، لم يستكملوا نهاراً تاماً ولم يجمعوا بين طرفيه، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع» وهذا تعبير لنا بما نحسه تقريباً لعقولنا وإن كانت القاعدة أنه لا نسبة لما يتناهى إلى ما لا يتناهى على أن الكفار أيضاً يستقصرون مدة لبثهم، فكأنهم أصناف: بعضهم يقول: {إن لبثتم إلا عشراً}، وبعضهم يقول: {إن لبثتم إلا يوماً}، وبعضهم يتحير فيقول: {اسأل العادين}، أو أن تلك أقوالهم، والحق من ذلك هو ما أخبر الله به غير مضاف إلى أقوالهم من أن ما مضى لهم في جنب ما يأتي كأنه ساعة من نهار بالنسبة إلى النهار الكامل كما قال تعالى في سورة يونس عليه الصلاة والسلام {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم} [يونس: 45] على أن منهم من يقول ذلك أيضاً كما قال تعالى في سورة المؤمنين حين قال تعالى: {كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين} [المؤمنون: 112- 113] وذلك بالنسبة إلى ما كشف لهم عن أنهم يستقبلونه مما لا آخر له أو أنهم لما نزعتهم نفحة إسرافيل عليه الصلاة والسلام بيد القدرة من قبورهم غرقاً نزعاً شديداً فقاموا ورأوا تلك الأهوال وعلموا ما يستقبلونه من الأوجال استقصروا مدة لبثهم قبل ذلك لأن من استلذ شيئاً استقصر مدته وهم استلذوا ذلك وإن كان من أمرّ المرّ في جنب لهم عن أنهم لاقوه، فقد رجع آخرها بالقيامة على أولها، والتف مفصلها بنزع الأنفس اللوامة على موصلها، واتصلت بأول ما بعدها من جهة الخشية والتذكر فيا طيب متصلها، فسبحان من جعله متعانق المقاطع والمطالع، وأنزله رياضاً محكمة المذاهب والمراجع، والله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)}
واعلم أنه تعالى لما بين بالبرهان العقلي إمكان القيامة، ثم أخبر عن وقوعها، ثم ذكر أحوالها العامة، ثم ذكر أحوال الأشقياء والسعداء فيها، قال تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها}.
واعلم أن المشركين كانوا يسمعون إثبات القيامة، ووصفها بالأوصاف الهائلة، مثل أنها طامة وصاخة وقارعة، فقالوا على سبيل الاستهزاء: {أَيَّانَ مرساها} فيحتمل أن يكون ذلك على سبيل الإيهام لأتباعهم أنه لا أصل لذلك، ويحتمل أنهم كانوا يسألون الرسول عن وقت القيامة استعجالاً، كقوله: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى: 18] ثم في قوله: {مرساها} قولان أحدهما: متى إرساؤها، أي إقامتها أرادوا متى يقيمها الله ويوجدها ويكونها والثاني: {أَيَّانَ} منتهاها ومستقرها، كما أن مرسى السفينة مستقرها حيث تنتهي إليه.
ثم إن الله تعالى أجاب عنه بقوله تعالى: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا}.
وفيه وجهان الأول: معناه في أي شيء أنت عن تذكر وقتها لهم، وتبين ذلك الزمان المعين لهم، ونظيره قول القائل: إذا سأله رجل عن شيء لا يليق به ما أنت وهذا، وأي شيء لك في هذا، وعن عائشة «لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت هذه الآية» فهو على هذا تعجيب من كثرة ذكره لها، كأنه قيل: في أي شغل واهتمام أنت من ذكرها والسؤال عنها، والمعنى أنهم يسألونك عنها، فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
ثم قال تعالى: {إلى رَبّكَ منتهاها} أي منتهى علمها لم يؤته أحدًّا من خلقه الوجه الثاني: قال بعضهم: {فِيمَ} إنكار لسؤالهم، أي فيم هذا السؤال، ثم قيل: {أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي أرسلك وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل ذاكراً من أنواع علاماتها، وواحدًّا من أقسام أشراطها، فكفاهم بذلك دليلاً على دنوها ووجوب الاستعداد لها، ولا فائدة في سؤالهم عنها.
{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
معنى الآية أنك إنما بعثت للإنذار وهذا المعنى لا يتوقف على علمك بوقت قيام القيامة، بل لو أنصفنا لقلنا: بأن الإنذار والتخويف إنما يتمان إذا لم يكن العلم بوقت قيام القيامة حاصلاً.
المسألة الثانية:
أنه عليه الصلاة والسلام منذر للكل إلا أنه خص بمن يخشى، لأنه الذي ينتفع بذلك الإنذار.
المسألة الثالثة:
قرئ {منذر} بالتنوين وهو الأصل، قال الزجاج: مفعل وفاعل إذا كان كل واحد منهما لمايستقبل أو للحال ينون، لأنه يكون بدلاً من الفعل، والفعل لا يكون إلا نكرة ويجوز حذف التنوين لأجل التخفيف، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال، فإذا أريد الماضي فلا يجوز إلا الإضافة كقوله هو منذر زيد أمس.
{كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}
وتفسير هذه الآية قد مضى ذكره في قوله: {كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} [الاحقاف: 35] والمعنى أن ما أنكروه سيرونه حتى كأنهم أبداً فيه وكأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار ثم مضت {فَانٍ قِيلَ} قوله: {أَوْ ضحاها} معناه ضحى العشية وهذا غير معقول لأنه ليس للعشية ضحى: {قُلْنَا} الجواب عنه من وجوه أحدها: قال عطاء عن ابن عباس: الهاء والألف صلة للكلام يريد لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى وثانيها: قال الفراء والزجاج: المراد بإضافة الضحى إلى العشية إضافتها إلى يوم العشية كأنه قيل: إلا عشية أو ضحى يومها، والعرب تقول: آتيك العشية أو غداتها على ما ذكرنا وثالثها: أن النحويين قالوا يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب، فالضحى المتقدم على عشية يصح أن يقال: إنه ضحى تلك العشية، وزمان المحنة قد يعبر عنه بالعشية وزمان الراحة قد يعبر عنه بالضحى، فالذين يحضرون في موقف القيامة يعبرون عن زمان محنتهم بالعشية وعن زمان راحتهم بضحى تلك العشية فيقولون: كأن عمرنا في الدنيا ما كان إلا هاتين الساعتين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا}
قال ابن عباس: سأل مشركو مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تكون الساعة استهزاء، فأنزل الله عز وجل الآية.
وقال عُروة بن الزبير في قوله تعالى: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا}؟ لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة، حتى نزلت هذه الآية {إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ}.
ومعنى {مُرْساها} أي قيامُها.
قال الفرّاء: رُسُوُّها قيامها كرسوّ السفينةِ.
وقال أبو عبيدة: أي منتهاها، ومرسى السفينة حيث تنتهي.
وهو قول ابن عباس.
الربيع بن أنس: متى زمانها.
والمعنى متقارب.
وقد مضى في (الأعراف) بيان ذلك.
وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة إلا بغَضْبة يغضَبُها ربك» {فِيم أنت مِن ذِكراها} أي في أي شيء أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها؟ وليس لك السؤال عنها.
وهذا معنى ما رواه الزُّهْرِيّ عن عُروة بن الزُّبير قال:
لم يزل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى نزلت {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} {إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} أي منتهى علمها؛ فكأنه عليه السلام لما أكثروا عليه سأل الله أن يعرفه ذلك، فقيل له: لا تسأل، فلست في شيء من ذلك.
ويجوز أن يكون إنكاراً على المشركين في مسألتهم له؛ أي فيم أنت من ذلك حتى يسألوك بيانَه، ولست ممن يَعلَمه.
رُوِي معناه عن ابن عباس.
والذكْرَى بمعنى الذكر.
{إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} أي منتهى علمها، فلا يُوجَد عند غيره عِلم الساعة؛ وهو كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف: 187] وقوله تعالى: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [لقمان: 34].
{إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا}.
أي مخوِّف؛ وخَصَّ الإنذار بمن يَخْشى، لأنهم المنتفعون به، وإن كان منذراً لكل مكلف؛ وهو كقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر وَخشِىَ الرحمن بالغيب}.
وقراءة العامة {منذِر} بالإضافة غير منون؛ طلب التخفيف، وإلا فأصله التنوين؛ لأنه للمستقبل وإنما لا ينون في الماضي.
قال الفراء: يجوز التنوين وتركه؛ كقوله تعالى: {بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3] و{مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين} [الانفال: 18] و{موهِنٌ كيدَ الكافِرين} والتنوين هو الأصل، وبه قرأ أبو جعفر وشَيبة والأعرج وابن مُحيصن وحُميد وعياش عن أبي عمرو {منذِرٌ} منونا، وتكون في موضع نصب، والمعنى نصب، إنما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة.
وقال أبو على: يجوز أن تكون الإضافة للماضي، نحو ضارب زيدٍ أمس؛ لأنه قد فعَلَ الإنذار، الآية ردّ على من قال: أحوال الآخرة غير محسوسةٍ، وإنما هي راحة الرُّوح أو تألمها من غير حِسّ.
{كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَهَا} يعني الكفار يَرَونَ الساعة {لَمْ يلبثوا} أي في دنياهم، {إِلاَّ عَشِيَّةً} أي قدر عشية {أَوْ ضُحَاهَا} أي أو قدر الضُّحا الذي يلي تلك العشية، والمراد تقليل مدة الدنيا، كما قال تعالى: {لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار} [يونس: 45].
ورَوَى الضحاك عن ابن عباس: كأنهم يوم يَرَوْنَها لم يلبثوا إلا يوماً واحدًّا.
وقيل: {لم يلبثوا} في قبورهم {إلا عشِية أو ضحاها}، وذلك أنهم استقصروا مدّة لَبْثِهِم في القبور لمَا عاينوا من الهول.
وقال الفرّاء: يقول القائل: وهل للعشية ضُحاً؟ وإنما الضحا لصدر النَهار، ولكن أضيف الضحا إلى العشية، وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب؛ يقولون: آتيك الغداةَ أو عشيتَها، وآتيك العشيةَ أو غداتها، فتكون العشية في معنى آخر النهار، والغداة في معنى أوّل النهار؛ قال: وأنشدني بعض بني عُقَيل:
نحنُ صَبَحْنا عامِرا في دارِها ** جُرْداً تَعَادَىَ طَرَفَي نهارِها

عِشيةِ الهِلالِ أو سِرارِها

أراد: عشيةِ الهلالِ، أو سِرار العشية، فهو أشدّ من آتيك الغداة أو عَشِيَّها. اهـ.